صمت الحقيقة.. حقوق الإنسان تتلاشى تحت سحابة القمع العالمي في 2023
صمت الحقيقة.. حقوق الإنسان تتلاشى تحت سحابة القمع العالمي في 2023
في عام 2023 تواصل مسلسل القمع والانتهاكات المستمرة لحرية التعبير في جميع أنحاء العالم، عام حزين ومؤلم لتلك الأصوات التي يتم تكميمها والحقائق التي يتم إخفاؤها، حيث يعتبر الكلام نزيفًا والصمت حلاً مفروضًا.
فوفقًا للتقارير الدولية، تم توثيق ارتفاعٍ مروع في عدد الصحفيين والنشطاء الذين تم اعتقالهم بسبب ممارستهم حقهم الأساسي في التعبير، وصل إجمالي عدد الصحفيين المعتقلين إلى قرابة 500 شخص في عام 2023، وفق الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ)، تلك الأرقام القاسية تروي حكاية آلاف الأرواح المكبوتة التي تعاني في زنازين الصمت.
وتشير التقديرات إلى أن 20% من الصحفيين المعتقلين يتعرضون للتعذيب وسوء معاملة في السجون، إنهم يواجهون جحيمًا يتجلى في التعذيب الجسدي والنفسي والإهمال الطبي، ما يؤدي إلى آثار نفسية بائسة تنذر بانهيارات إنسانية.
ومع ذلك، لا يقتصر القمع على الصحفيين فقط، بل يمتد إلى المدونين والنشطاء الرقميين، فقد شهد عام 2023 زيادة مقلقة في عدد النشطاء الذين تم اعتقالهم أو تعرضوا للمضايقات بسبب تعبيرهم عبر منصات التواصل الاجتماعي.
هذا القمع الرقمي يعكس تحولًا مخيفًا نحو ستار آخر من الصمت يعتري العالم الافتراضي، وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي لحماية حرية التعبير، فإن الأرقام والإحصائيات المروعة تكشف عن تدهور حالة حقوق الإنسان في العالم.
فالصمت الذي يُفرض على الحقيقة يعكس استمرار القمع والانتهاكات المستمرة لحرية التعبير في عام 2023.
عندما تكون الكلمات مكبوتة والحقيقة معتقلة، يتحول العالم إلى ساحة مظلمة لا تشبه ما كانت عليه يومًا.
في العديد من الدول، تم استخدام الأدوات القمعية والتشريعات القمعية لإخماد الأصوات المناهضة وقمع الحقيقة.
تم تنفيذ حملات شرسة للقبض على الصحفيين والنشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ما أدى إلى زيادة ملحوظة في عدد المعتقلين.
إحصائيات توضح حجم الأزمة
ارتفاع عدد الصحفيين المعتقلين: في عام 2023، ارتفع عدد الصحفيين المعتقلين إلى قرابة 500 شخص، بزيادة تصل إلى 66% مقارنة بالعام السابق، هؤلاء الصحفيون يواجهون اعتقالًا تعسفيًا ومحاكمات غير عادلة، وغالبًا ما يتعرضون لسوء المعاملة والتعذيب في السجون.
تهديد النشطاء الرقميين: شهد عام 2023 زيادة مقلقة في استهداف النشطاء الرقميين والمدونين بسبب تعبيرهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، تعرض هؤلاء النشطاء للمراقبة الرقمية والاعتقال التعسفي والتضييق على حقوقهم الرقمية.
قمع الحقوق الرقمية: تم اتخاذ تدابير قمعية لقمع حرية التعبير عبر الإنترنت، تم حجب المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، وتوجيه هجمات سيبرانية ضد النشطاء الرقميين، ما أدى إلى تقييد حرية التعبير ومنع الوصول إلى المعلومات.
العنف ضد الصحفيات: تعرضت الصحفيات لمزيد من العنف والتهديدات في عام 2023؛ تم استهدافهن بسبب دورهن البارز في كشف الفساد والظلم، وهو أمر يتطلب تعزيز حماية الصحفيات ومحاسبة المعتدين.
تضييق الحريات الأكاديمية: تعرضت الحريات الأكاديمية للتقييد والقمع في العديد من البلدان.

عقوبات انتهاك حرية التعبير
قال رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبدالكبير، إن حرية التعبير حق أساسي للفرد، حيث يمنحه الحق في التعبير عن آرائه والبحث واستقصاء المعلومات دون تدخل أو رقابة غير مبررة من الحكومة أو أطراف أخرى، وتُعَد حماية حرية التعبير أمرًا بالغ الأهمية في القانون الدولي، وتم تعزيزها من خلال العديد من الوثائق والاتفاقيات الدولية، ويهدف هذا البحث إلى تقديم نظرة شاملة حول حرية التعبير في القانون الدولي، بما في ذلك الإحصاءات المتعلقة بانتهاكات حرية التعبير والعقوبات المفروضة على المخالفين، وهناك العديد من الآليات الدولية المعنية بحماية حرية التعبير، مثل الأمم المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) والمنظمة العالمية للملكية الفكرية (ويبو).
وأضاف عبدالكبير، في تصريحات لـ"جسور بوست": هناك العديد من التحديات التي تواجه حرية التعبير في القانون الدولي، مثل التدابير القمعية والتهديدات الإلكترونية والتجسس الرقمي، مشيرًا إلى أن حرية التعبير تعد حجر الزاوية في المجتمعات الديمقراطية، وتحظى بحماية قوية في القانون الدولي، ووفقًا لتقرير "حرية الصحافة في العالم" لعام 2021 الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، فإن 73% من البلدان تعاني من قيود على حرية الصحافة، ووفقًا لتقرير "مؤشر حرية الإنترنت" لعام 2020 الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، فإنه تم تسجيل زيادة في حجب وتقييد المحتوى على الإنترنت في العديد من الدول.
واستطرد: هناك المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التابع للأمم المتحدة تكفل حق حرية التعبير والاطلاع على المعلومات، كذلك اتفاقية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) لعام 2005 تحمي حرية التعبير وتعزز الصحافة المستقلة وحرية الوصول إلى المعلومات.

مصطفى عبدالكبير
وأتم: العقوبات التي يمكن فرضها على انتهاك حرية التعبير تتنوع بين العواقب القانونية والجزائية، بما في ذلك الغرامات المالية والسجن والحظر عن ممارسة الصحافة والتدريب والإقامة في بعض الدول، وقد تفرض العقوبات أيضًا على الدول التي تنتهك حقوق حرية التعبير، مثل العقوبات الاقتصادية أو العزل الدبلوماسي.
حرية التعبير
وقال الأكاديمي وخبير علم الاجتماع طه أبو حسين، إن حرية التعبير أحد الحقوق الأساسية التي تؤثر بشكل كبير على المجتمعات والأفراد، ويعتبر الحفاظ على هذا الحق وتشجيع التعبير الحر والمتنوع أمرًا بالغ الأهمية لتعزيز الديمقراطية والتنمية الاجتماعية، وهناك أثر إيجابي للتعبير الحر على تطور المجتمعات والابتكار والتغيير الاجتماعي، وتُشير الإحصاءات والتحليلات الاجتماعية إلى أن حرية التعبير تلعب دورًا حاسمًا في تعزيز المجتمعات وتطورها، وتؤثر بشكل إيجابي على الأفراد من حيث الهوية الشخصية والتفكير النقدي.
وأضاف أبو حسين، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن قمع حرية التعبير يمكن أن يؤدي إلى تدهور المجتمعات وإلى تأثير سلبي على الصحة النفسية للأفراد، لذلك يجب أن تكون حرية التعبير محمية ومعززة كأحد الحقوق الأساسية للأفراد والمجتمعات، وتتيح حرية التعبير للأفراد فرصة التعبير عن آرائهم ومواقفهم، ما يسهم في تعزيز التفكير النقدي وتبادل الأفكار والحوار البناء في المجتمعات، ويسهم التعبير الحر في تعزيز التواصل الاجتماعي وتفاعل الأفراد مع بعضهم بعضا، ما يعزز الانتماء الاجتماعي والتضامن بين الأفراد في المجتمع، ويعطي التعبير الحر الفرصة للأفراد لطرح الأفكار الجديدة والابتكارات، مما يسهم في تقدم المجتمعات وتطورها في مختلف المجالات.
وعن التأثيرات السلبية لحرية التعبير، قال: في بعض الحالات، قد يستغل بعض الأفراد حرية التعبير لنشر الأفكار المتطرفة والكراهية، مما يؤدي إلى تفشي الانحرافات وتهديد الاستقرار الاجتماعي، وقد يتعرض الأفراد لانتقادات وانتقام بسبب آرائهم المعبر عنها بحرية، مما يؤثر على صحتهم النفسية وقدرتهم على التعبير بحرية مستقبلاً، أيضًا توجد تحديات في تحديد صحة المعلومات المنشورة، وقد يؤدي التعبير الحر إلى انتشار الأخبار الكاذبة والإشاعات، ما يؤثر على الرأي العام ويضر بالمصداقية والثقة.
طه أبو حسين
وأتم: في النهاية، يجب أن يتم حماية حرية التعبير وتشجيعها في إطار قوانين وضوابط تحافظ على التوازن بين الحقوق الفردية والمصلحة العامة، وينبغي أن يتم تعزيز التعبير الحر كوسيلة لتحقيق التنمية الاجتماعية والتغيير الإيجابي في المجتمعات، مع التركيز على التعبير المسؤول والاحترام المتبادل بين الأفراد.
حرية التعبير والاقتصاد
وبدوره، علق عميد كلية التجارة بجامعة الأزهر، الدكتور محمد يونس، بقوله: إن حرية التعبير توفر بيئة مفتوحة للأفكار والابتكارات، ما يعزز الروح الريادية ويحفز الأفراد والشركات على تطوير منتجات وخدمات جديدة، هذا يسهم في تحسين الإنتاجية وتعزيز النمو الاقتصادي، والأنظمة التي تحترم حرية التعبير وتكافح الفساد تعتبر بيئة جاذبة للاستثمارات، حيث يشعر المستثمرون بالثقة في وجود بيئة قانونية واقتصادية مستدامة، ما يزيد من فرص جذب رؤوس الأموال وتعزيز النمو الاقتصادي، كما أن حرية التعبير تمكن الأفراد والشركات من التعبير عن آرائهم بشأن المنتجات والخدمات المقدمة، وبوجود منصات التواصل الاجتماعي، يمكن للمستهلكين تبادل المعلومات والتجارب، ما يعزز المنافسة ويحفز الشركات على تحسين جودة منتجاتها وخدماتها.
وأضاف يونس، في تصريحات لـ"جسور بوست": حرية التعبير يمكن أن تؤدي إلى انتشار الشائعات والأخبار الزائفة، وهذا يمكن أن يؤثر سلبًا على الثقة في الأسواق ويتسبب في تقلبات اقتصادية وفقدان الثقة في المؤسسات والشركات، وفي بعض الحالات، قد تؤدي حرية التعبير إلى نشوء الاحتجاجات والاضطرابات الاجتماعية، وهذا قد يؤثر سلبًا على الاستقرار الاقتصادي والاستثمارات، حيث يشعر المستثمرون بالقلق من تأثير هذه الاضطرابات على أعمالهم.

الدكتور محمد يونس
واستطرد: هناك توجهات حالية في السياسات الاقتصادية لتعزيز حرية التعبير، حيث تدرك العديد من الحكومات والمنظمات الدولية أهمية حرية التعبير في تعزيز التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي، وتعمل العديد من البلدان على تعزيز الحوكمة وحقوق الإنسان كجزء من سياستها الاقتصادية.. يتضمن ذلك تحسين القوانين والمؤسسات التي تحمي حرية التعبير وتضمن سياقًا آمنًا للتعبير الحر والمسؤول، وتسعى العديد من الحكومات إلى تعزيز الوصول إلى المعلومات وتمكين الأفراد من الحصول على معلومات موثوقة ومتوازنة، ذلك يشمل توفير البنية التحتية اللازمة للاتصالات وتعزيز الوصول إلى الإنترنت وتشجيع وسائل الإعلام المستقلة.
وأتم: يعتبر دعم وحماية حرية وسائل الإعلام من جوانب مهمة لتعزيز حرية التعبير من خلال تعزيز الاستقلالية وتعزيز الحماية القانونية للصحفيين ووسائل الإعلام، يتم تعزيز تنوع وشفافية ومسؤولية الإعلام، والتشجيع على الحوار والمشاركة المجتمعية جزء مهم من تعزيز حرية التعبير، ويجب أن تكون هناك مساحة للأفراد والمجتمعات للتعبير عن آرائهم والمشاركة في صنع القرارات الاقتصادية والاجتماعية، ويتعين على الحكومات أن تتخذ إجراءات فعالة لمكافحة القمع والتضييق على حرية التعبير، ويجب أن تتخذ الإجراءات اللازمة لحماية النشطاء والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان من الاعتقال التعسفي والمضايقة والتهديدات، هذه التوجهات تهدف إلى خلق بيئة تعزز حرية التعبير وتسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة والاستقرار الاجتماعي.